فصل: قال الطبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

الذين يبخلون: بدل من قوله: {مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} والمعنى: إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ولا يحب الذين يبخلون، أو نصب على الذم.
ويجوز أن يكون رفعا على الذم، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف كأنه قيل: الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون: أحقاء بكل ملامة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الذين يَبْخَلُونَ} الّذين في موضع نصب على البدل مِن {منْ} في قوله: {مَن كَانَ} ولا يكون صفة؛ لأن {منْ} و{مَا} لا يوصفان ولا يوصف بهما.
ويجوز أن يكون في موضع رفع بدلًا من المضمر الذي في فخور.
ويجوز أن يكون في موضع رفع فيعطف عليه.
ويجوز أن يكون ابتداء والخبر محذوف، أي الذين يبخلون، لهم كذا، أو يكون الخبر {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40].
ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار أعني، فتكون الآية في المؤمنين؛ فتجيء الآية على هذا التأويل أن الباخلين منفية عنهم محبة الله، فأحسنوا أيها المؤمنون إلى من سُمِّي فإن الله لا يحب من فيه الخلالُ المانعة من الإحسان. اهـ.

.قال الفخر:

قال الواحدي: البخل فيه أربع اللغات: البخل.
مثل القفل، والبخل مثل الكرم، والبخل مثل الفقر، والبخل بضمتين.
ذكره المبرد، وهو في كلام العرب عبارة عن منع الإحسان، وفي الشريعة منع الواجب. اهـ.
قال الفخر:
قال ابن عباس: إنهم اليهود، بخلوا أن يعترفوا بما عرفوا من نعت محمد عليه الصلاة والسلام وصفته في التوراة، وأمروا قومهم أيضا بالكتمان {وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} يعني من العلم بما في كتابهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم {وَأَعْتَدْنَا} في الآخرة لليهود {عَذَابًا مُّهِينًا} واحتج من نصر هذا القول: بأن ذكر الكافر في آخر الآية يدل على أن المراد بأولها الكافر.
وقال آخرون: المراد منه البخل بالمال، لأنه تعالى ذكره عقيب الآية التي أوجب فيها رعاية حقوق الناس بالمال، فإنه قال: {وبالوالدين إحسانا وَبِذِى القربى واليتامى والمساكين والجار ذِى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل} [النساء: 36] ومعلوم أن الإحسان إلى هؤلاء إنما يكون بالمال، ثم ذم المعرضين عن هذا الإحسان فقال: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36] ثم عطف عليه {الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} فوجب أن يكون هذا البخل بخلا متعلقا بما قبله، وما ذاك إلا البخل بالمال.
والقول الثالث: أنه عام في البخل بالعلم والدين، وفي البخل بالمال، لأن اللفظ عام، والكل مذموم، فوجب كون اللفظ متناولا للكل. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، ما قاله الذين قالوا: إن الله وصف هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآية، بالبخل بتعريف من جهل أمرَ محمد صلى الله عليه وسلم أنه حقّ، وأنّ محمدًا لله نبيّ مبعوث، وغير ذلك من الحق الذي كان الله تعالى ذكره قد بيّنه فيما أوحى إلى أنبيائه من كتبه. فبخل بتبيينه للناس هؤلاء، وأمروا من كانت حاَله حالَهم في معرفتهم به: أن يكتموه من جَهِل ذلك، ولا يبيِّنوه للناس.
وإنما قلنا: هذا القول أولى بتأويل الآية، لأن الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل، ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمرُ الناس بالبخل ديانةً ولا تخلُّقًا، بل ترى ذلك قبيحًا وتذمَّ فاعله؛ وَتمتدح- وإن هي تخلَّقَت بالبخل واستعملته في أنفسها- بالسخاء والجود، وتعدُّه من مكارم الأفعال وتحثُّ عليه. ولذلك قلنا: إنّ بخلهم الذي وصفهم الله به، إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله آتاهموه فبخلوا بتبيينه للناس وكتموه، دون البخل بالأموال إلا أن يكون معنى ذلك: الذين يبخلون بأموالهم التي ينفقونها في حقوق الله وُسُبله، ويأمرون الناس من أهل الإسلام بترك النفقة في ذلك. فيكون بخلهم بأموالهم، وأمرهم الناس بالبخل، بهذا المعنى- على ذكرنا من الرواية عن ابن عباس- فيكون لذلك وجه مفهومٌ في وصفهم بالبخل وأمرِهم به. اهـ. بتصرف يسير.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} البخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى عليه.
وهو مثل قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} [آل عمران: 180] الآية.
وقد مضى في [آل عمران] القول في البخل وحقيقته، والفرق بينه وبين الشُّحِّ مستوفى.
والمراد بهذه الآية في قول ابن عباس وغيره اليهود؛ فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال وكتمان ما أنزل الله من التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: المراد المنافقون الذين كان إنفاقهم وإيمانهُم تَقِيَّة، والمعنى إن الله لا يحب كل مختال فخور، ولا الذين يبخلون؛ على ما ذكرنا من إعرابه. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى ذكر في هذه الآية من الأحوال المذمومة ثلاثا: أولها: كون الإنسان بخيلا وهو المراد بقوله: {الذين يَبْخَلُونَ} وثانيها: كونهم آمرين لغيرهم بالبخل، وهذا هو النهاية في حب البخل، وهو المراد بقوله: {وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} وثالثها: قوله: {وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} فيوهمون الفقر مع الغنى، والإعسار مع اليسار، والعجز مع الإمكان، ثم إن هذا الكتمان قد يقع على وجه يوجب الكفر، مثل أن يظهر الشكاية عن الله تعالى، ولا يرضى بالقضاء والقدر، وهذا ينتهي إلى حد الكفر، فلذلك قال: {وَأَعْتَدْنَا للكافرين عَذَابًا مُّهِينًا} ومن قال: الآية مخصوصة باليهود، فكلامه في هذا الموضع ظاهر، لأن من كتم الدين والنبوة فهو كافر، ويمكن أيضًا أن يكون المراد من هذا الكافر، من يكون كافرا بالنعمة، لا من يكون كافرا بالدين والشرع. اهـ.

.قال أبو حيان:

{الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا} نزلت هذه الآية في قوم كفار.
روى عن ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد، وحضرمي: أنها نزلت في أحبار اليهود بخلوا بالإعلام بأمر محمد صلى الله عليه وسلم، وكتموا ما عندهم من العلم في ذلك، وأمروا بالبخل على جهتين: أمروا أتباعهم بجحود أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا للأنصار: لم تنفقون على المهاجرين فتفتقرون؟ وقيل: نزلت في المنافقين.
وقيل: في مشركي مكة.
وعلى اختلاف سبب النزول اختلف أقوال المفسرين من المعنى بالذين يبخلون.
وقيل: هي عامّة في كل من يبخل ويأمر بالبخل من اليهود وغيرهم.
والبخل في كلام العرب: منع السائل شيئًا مما في يد المسؤول من المال، وعنده فضل.
قال طاووس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح أن يشح على ما في أيدي الناس.
والبخل في الشريعة، هو منع الواجب.
وقال الراغب: لم يرد البخل بالمال، بل بجميع ما فيه نفع للغير انتهى.
ولما أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين ومن ذكر معهما من المحتاجين على سبيل ابتداع أمر الله، بيّن أنّ من لا يفعل ذلك قسمان.
أحدهما: البخيل الذي لا يقدم على إنفاق المال ألبتة حتى أفرط في ذلك وأمر بالبخل.
والثاني: الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس، لا لغرض أمر الله وامتثاله وطاعته.
وذمّ تعالى القسمين بأن أعقب القسم الأول: وأعتدنا للكافرين، وأعقب الثاني بقوله: {ومن يكن الشيطان له قرينًا}.
والبخل أنواع: بخل بالمال، وبخل بالعلم، وبخل بالطعام، وبخل بالسلام، وبخل بالكلام، وبخل على الأقارب دون الأجانب، وبخل بالجاه، وكلها نقائص ورذائل مذمومة عقلًا وشرعًا وقد جاءت أحاديث في مدح السماحة وذم البخل منها: «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق» وظاهر قوله بالبخل أنه متعلق بقوله: ويأمرون، كما تقول: أمرت زيدًا بالصبر، فالبخل مأمور به.
وقيل: متعلق الأمر محذوف، والباء في بالبخل حالية، والمعنى: ويأمرون الناس بشكرهم مع التباسهم بالبخل، فيكون نحو ما أشار إليه الشاعر بقوله:
أجمعت أمرين ضاع الحزم بينهما ** تيه الملوك وأفعال المماليك

وقرأ الجمهور: بالبخل بضم الباء وسكون الخاء.
وعيسى بن عمر والحسن: بضمهما.
وحمزة الكسائي: بفتحهما، وابن الزبير وقتادة وجماعة.
بفتح الباء، وسكون الخاء.
وهي كلها لغات.
قال الفرّاء: البخل مثقلة لأسد، والبخل خفيفة لتميم، والبخل لأهل الحجاز.
ويخففون أيضًا فتصير لغتهم ولغة تميم واحدة، وبعض بكر بن وائل بقولون البخل قال جرير:
تريدين أن ترضي وأنت بخيلة ** ومن ذا الذي يرضي الأخلاء بالبخل

وأنشدني المفضل:
وأوفاهم أوان بخل

وينشد هذا البيت بفتحتين وضمتين:
وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده ** لذو بخل كل على من يصاحب

. اهـ.

.قال الزمخشري:

بنى عامل للرشيد قصرًا حذاء قصره، فنمّ به عنده.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن الكريم يسره أن يرى أثر نعمته، فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك، فأعجبه كلامه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}.
فصل تعالى توَعُّدَ المؤمنين الباخلين من توعد الكافرين بأن جعل الأوّل عدم المحبة والثاني عذابًا مهينًا. اهـ.